منذ أشهر طويلة، بات من الواضح أن المملكة العربية السعودية ستكون فريقاً مقرراً في الإستحقاق الرئاسي الحالي، وهو ما أكدت عليه العديد من الشخصيات القيادية في قوى الثامن من آذار في أكثر من مناسبة، وصولاً إلى إعلان مرشحها رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، أنه لن يذهب إلى جلسة إنتخاب يتحدى فيها الرياض.
في المقابل، كانت السعودية تؤكد، في جميع المواقف الصادرة عن مسؤولين فيها، أن الإنتخابات الرئاسية شأن داخلي لبناني، الأمر الذي فُسر على أساس أنه تحول في موقفها بعد الحديث السابق عن "فيتو" تضعه على مرشح قوى الثامن من آذار، إلا أن معطيات المعركة القائمة تؤكد أنها ستكون صاحبة "الكلمة الفصل".
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هناك توافقاً محلياً ودولياً على دور الرياض في إختيار الرئيس المقبل، بغض النظر عن مواقفها المعلنة، بدليل المفاوضات التي كانت تقوم بها فرنسا معها، خصوصاً أن الجميع يدرك دورها، في دعم أي عملية نهوض بالبلاد، في المرحلة المقبلة، في حين أن الفريق الآخر ليس في وارد الدخول في أي خيار صدامي، حتى ولو توفرت الظروف المناسبة لإيصال مرشحه من دون موافقتها.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه من الناحية العملية ليس هناك لبنانياً، من بين الأفرقاء الأساسيين، من هو في وارد تكرار سيناريو العام 2016، عندما لم يتخط موقف الرياض عدم ممانعة وصول الرئيس السابق ميشال عون، نتيجة تسوية شملت "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية"، نظراً إلى أن المطلوب مباركة كاملة وواضحة، تقود إلى أن تتولى السعودية، بشكل أو بآخر، رعاية العهد الجديد.
بناء على ما تقدم، يمكن قراءة توازن الردع الحاصل على مستوى الإستحقاق الرئاسي من المنظار المحلي، حيث هناك تجمعين كبيرين: الأول قوامه قوى الثامن من آذار التي تدعم ترشيح فرنجية، أما الثاني فهو ذلك الذي ولد، نتيجة التفاهم بين قوى المعارضة و"التيار الوطني الحر"، حول الوزير السابق جهاد أزعور، المشترك بينهما أن ليس لديهما أكثرية 65 صوتاً، بالإضافة إلى حاجة كل منهما إلى الآخر من أجل تأمين النصاب.
في قراءة المصادر السياسية المتابعة، هذا التوازن يؤكد أيضاً على دور السعودية الحاسم في الإستحقاق الرئاسي، نظراً إلى أنها، في حال الإنتهاء من لعبة النصاب التي يلوح بها كل فريق لمنع وصول المرشح المنافس له، قادرة على قلب النتيجة لصالح أحد المتنافسين، نظراً إلى وجود كتل نيابية ونواب مستقلين بإنتظار أي إشارة منها، أبرزهم كتلة "اللقاء الديمقراطي" وتكتل "الإعتدال الوطني"، وهو ما يدفعهم إلى التكتم عن حقيقة موقفهم، مكتفين بالدعوة إلى الحوار والتسوية.
في المحصلة، تعتبر هذه المصادر أن الأمور ستكون مرهونة، في الأيام المقبلة، بظهور موقف أوضح من قبل الرياض، الأمر الذي قد يكون مرتبطاً بكسر التوازن القائم في الوقت الراهن، وهو ما قد يحصل من خلال بروز المنافسة الحامية بين المرشحين الحاليين، على إعتبار أن تقدم ترشيح أزعور، الذي لا يملك فرص الوصول بسبب موقف قوى الثامن من آذار منه، سيقود، من حيث المبدأ، إلى إضعاف حظوظ فرنجيّة، وبالتّالي فتح باب البحث عن خيارات أخرى، تؤكد أن الإسم الأبرز حينها سيكون قائد الجيش العماد جوزاف عون، لا سيما أن عامل الوقت لا يسمح بالدخول في لعبة البحث عن خيارات متعددة.